فخرج وحمل أموالا كثيرة لإعطاء الجند. وكانت كتب الضرّابين بمصر إلى الضرّابين بالعراق في هذه السنة ترد أنّهم يستغنون وذاك أنّ آل طولون والقوّاد المصريّين الذين شخصوا إلى مدينة السلام ومن كان في مثل حالهم، قد وجّهوا في حمل مالهم من مصر إلى مدينة السلام وقد سبكوا أوانى الفضّة والذهب والحلي نقارا وحمل إلى مكّة ليوافوا مدينة السلام مع الحاجّ فحمل في القوافل الشاخصة إلى بغداد فذهب ذلك كلّه. وردّت مضارب المكتفي بالله إلى بغداد فحمل ابن الخليجي إلى بغداد مع أحد وعشرين رجلا على الجمال مشهرين ببرانس ودراريع حرير. ثم كان من أمره بعد ذلك أن ابن عمه أسره كما ذكرنا، وقتله سريعا، فكانت مدة حياته ستا وثلاثين سنة، ومدة دولته منها إحدى وعشرين سنة وشهور، وهو الذي أظهر الرفض ببغداد، وجرى بسبب ذلك شرور كما تقدم. » ثم أصعد زكرويه ووافته القافلة الثانية والثالثة ومن كان فيها من القوّاد والكتّاب مع جماعة من الرسل تنكّبوا طريق الجادّة وكتبوا بخبر الفاسق وفعله بالحاجّ ويعلمهم بالتحرّز منه والعدول عن الجادّة نحو واسط والبصرة أو الرجوع إلى فيد أو المدينة إلى أن تلحق بهم الجيوش.
وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: " لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره ". ووجد في بيت من داره ألوف رقاع كلها مختومة فقيل له لم لا تفتحها قال لا حاجة لنا فيها كلها سعايات وهذا كله كلام ابن الأثير. قلت: ورشة المنيوم لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره، فأما الفقهاء فحكي عن غير واحد من العلماء والأئمة: إجماعهم على قتله، وأنه قتل كافرا، وكان كافرا ممخرقا مموها مشعبذا، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه. وقد صرّح الأئمة بتضعيف هذا الحديث الّذي رواه عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وهو حديث الرّايات. ومن ذلك قولهم لبعض هؤلاء وقدامهم خبيص: ابواب المنيوم حمامات أيما أطيب هذا أو الفالوذج أواللوزينج قال: لا أقضي على غائب. عبتموني بقولي لخادمي: أجيدي عجنه خميراً كما أجدته فطيراً ليكون أطيب لطعمه وأزيد في ريعه. فلما بلغت الرسالة ابن التوأم كره أن يجيب أبا العاص لما في ذلك من المناقشة والمباينة وخاف أن يترقى الأمر إلى أكثر من ذلك. فخلّف أخاه أبا يوسف وأبا الحسين عليّ بن محمّد بها. وندب السلطان أيّوب بن محمّد بن داود صاحب الخراج والضياع بالمشرق وديوان الجيش للخروج إلى الكوفة والمقام بها لإنفاذ الجيوش إلى القرمطي. وبلغني ما جرى بينهما فقامت قيامتي منه ورأيت أنّه يفوتني ما حدّثت نفسي به من الملك فقلقت وشاورت محمّد بن ينال الترجمان فلم يكن عنده رأى.
وتلا عليهم آيات من القرآن رمزها لهم، فاغترّوا به وقويت قلوبهم وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل. الوجه الثّاني أنّ الاصطناع قبل الملك يبعد عهده عن أهل الدّولة بطول الزّمان ويخفي شأن تلك اللّحمة ويظنّ بها في الأكثر النّسب فيقوى حال العصبيّة وأمّا بعد الملك فيقرب العهد ويستوي في معرفته الأكثر فتتبيّن اللّحمة وتتميّز عن النّسب فتضعف العصبيّة بالنّسبة إلى الولاية الّتي كانت قبل الدّولة واعتبر ذلك في الدّول والرّئاسات تجده فكلّ من كان اصطناعه قبل حصول الرّئاسة والملك لمصطنعه تجده أشدّ التحاما به وأقرب قرابة إليه ويتنزّل منه منزلة أبنائه وإخوانه وذوي رحمه ومن كان اصطناعه بعد حصول الملك والرّئاسة لمصطنعه لا يكون له من القرابة واللّحمة ما للأوّلين وهذا مشاهد بالعيان حتّى إنّ الدّولة في آخر عمرها ترجع إلى استعمال الأجانب واصطناعهم ولا يبنى لهم مجد كما بناه المصطنعون قبل الدّولة لقرب العهد حينئذ بأوّليّتهم ومشارفة الدّولة على الانقراض فيكونون منحطّين في مهاوي الضّعة. فجرت بينهم حرب شديدة حتى كشفوهم وأشرفوا على الظفر بهم، فوجد الفجرة من ساقتهم غرّة فركبوهم من جهتها ووضعوا رماحهم في جنوب إبلهم وبطونها فطحنتهم الإبل فتمكّنوا منهم فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم إلّا من استعبدوه.
ووصلت الكتب إليهم فلم يسمعوا ولم يتلبّثوا، وتقدّم أهل القافلة الثانية وفيها المبارك القمّى وأحمد بن نصر العقيلي فوافوا الفجرة وقد رحلوا عن الواقصة وعوّروا مياهها وملأوا بركها وآبارها بجيف الإبل والدوابّ التي كانت معهم مشقّقة بطونها، ووردوا منزل العقبة لاثنتي عشرة خلت من المحرّم فحاربهم أهل القافلة الثانية. » وتقدّم إليهم بأن يمتثلوا أمره، فإنّه حينئذ ينجز مواعيده ويبلّغهم آمالهم. وكان أبو العشائر مع أصحابه في أوّل القافلة ومبارك القمي فيمن معه في ساقتها. وكانت نساء القرامطة مع صبيانهم يطفن في القتلى يعرضون عليهم الماء، فمنهم من كلّمهم فأجهزوا عليه. فعطفت القرامطة عليهم فهزموهم. فكتب إلى فاتك بحمل ابن الخليجي ومن أسر معه إلى بغداد. وأتي ضيعة له يتنزه إليها ومعه خمسة رجال من خاصته وقد حملوا معه طعام خمسمائة وثقل عليه أن يأكلوا معه واشتد جوعه فجلس على مشارة بقل. ونقل عليّ بن يلبق المحبوسين في دار السلطان إلى داره من والدة المقتدر وغيرها ومنع القاهر أرزاق حشمه وأكثر ما كان يقام له، وطالب عليّ بن يلبق القاهر أن يسلّم إليه ما بقي عنده من الفرش وأمتعة والدة المقتدر وابن الخال، فسلّم ذلك إليه وبيع وحصّل ثمنه في بيت المال وأطلق للجند. وفي آخرها هزم ابن الخليجي وقتل أصحابه وإنّه هرب إلى مصر ودخل الفسطاط فاستتر بها عند رجل من أهل البلد، ودخل أصحاب السلطان الفسطاط فاستثاروه وجمع من كان بالبلد.
In case you loved this short article and you want to receive more details concerning ورشة المنيوم please visit our own web site.